نجوم الطب في الاسلام

ابن أبى الأشعث تخصص في علاج أمراض المعدة




وكان الاطباء يمثلون القمة في هرم العلم في دولة الاسلام الى حد انهم كانوا اقرب الناس الى الامراء والسلاطين وعامة الناس، اذ استطاعوا ان يطوروا ادواتهم، كما انهم كانوا موسوعيين بحيث كان الواحد منهم عالما في اكثر من مجال.
والبداية كانت مع تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم التي دعت الى العلم والفقه والتداوي حتى ان بعض العلماء رصدوا اكثر من 300 حديث نبوي في مجال الطب وحده، وكان العرب منذ البداية يهتمون بالطب والتداوي، وكان هناك الاطباء الذين حازوا شهرة واسعة في الجاهلية وصدر الاسلام ونحن سنرصد بعض هؤلاء الاطباء وانجازاتهم على مر التاريخ الاسلامي.

فالطبيب العربي المسلم ابوجعفر احمد بن ابي الاشعث اهتم بالعلوم الطبية اهتماما بالغا، وذلك لقناعته بضرورة تطوير هذا الحقل الحيوي لذا ألف كتابه «أمراض المعدة ومداواتها» وقد صار في متناول طلاب العلم والمهتمين بالعلوم الطبية، حيث كتبه باسلوب سهل ممتنع وحاول ان يجعله جامعا للبحوث التي اجريت في الامراض التي تتعلق بالمعدة، لقد انتشر كتاب «امراض المعدة ومداواتها» في العالم كله، وذلك لما يحتويه من معلومات قيمة في هذا الميدان فقد جمع مادة كتابه مما كان يقرأه في كتب الاقدمين والمعاصرين له ومن ممارساته الطبية الناجحة، والحقيقة ان صيت ابي جعفر بن ابي الاشعث ذاع من خلال مؤلفاته الثمينة في مجالي الطب والصيدلة، ومن اسلوبه المتميز في تدريسه العلوم الطبية، فكان طلاب العلم يأتون من كل حدب وصوب للتتلمذ على يديه في بلاد فارس.

فلما داهم المغول بطريقتهم الوحشية بلاد فارس، هرب ابوجعفر الى ارمينيا خوفا من غدرهم وبطشهم واستقر في قلعة برقى من أرمينيا مدة من الزمن قضاها في القراءة والبحث والاستقصاء في العلوم الطبية، حتى نبغ في ذلك، فألف كتابه المعروف (الغاذي والمغتذي) الذي انتهى من تأليفه سنة 348 هجرية، ولم يكن ابوجعفر بن ابي الاشعث سعيدا في أرمينيا، مما جعله يغادرها الى مدينة الموصل في العراق، ويعمل هناك من سنة 348 هجرية حتى وفاته سنة 360 هجرية.

يقول ابن ابي أصيبعة: كان ابوجعفر بن محمد بن ابي الاشعث وافر العقل، سديد الرأي محباً للجماهير، كثير السكينة والوقار، متفقهاً في الدين، وعمر عمراً طويلا، وله تلاميذ كثر، وكان فاضلا في العلوم الحكيمة متميزاً فيها وله تصانيف كثيرة في ذلك تدل على ما كان عليه من العلم وعلو المنزلة، وكان عارفاً بكتب جالينوس خبيراً بها، مطلعاً على اسرارها، وقد شرح كثيراً من كتب جالينوس، وهو الذي فصّل كل واحد من الكتب الستة عشر لجالينوس الى جمل وابوب وفصول وقسمها تقسيماً لم يسبقه الى ذلك احد غيره، وفي ذلك معونة كثيرة لمن يشتغل بكتب جالينوس فانه يسهل عليه كل ما يلتمسه منها، وتبقى له اعلام تدل على ما يريد مطالعته من ذلك، ويتعرف على كل قسم من اقسام الكتاب وما يشتمل عليه وفي اي غرض هو، وفصل ايضا كثيرا من كتب ارسطو طاليس وغيره، وجملة مصنفات احمد بن ابي الاشعث في صناعة الطب وغيرها، كل منها تام في معناه لا يوجد له نظير في الجودة.
كان ابن الامير ناصر الدولة ابو محمد الحسن الحمداني مريضاً وعجز اطباء مدينة الموصل العريقة ان يصلوا الى نتيجة مرضية لشفائه، فقد احتار والده في الامر ولكن ابا جعفر ابن ابي الاشعث شرع بعلاجه فتحسنت حالته كثيراً، ثم شفى ابن الامير من مرضه العضال، فاحتضن الامير ابا جعفر بن ابي الاشعث وقربه منه لمكانته العلمية العالية، وعقله الراجح، لذا خلق ابو جعفر بن ابي الاشعث في سماء كبار اطباء العراق وصارمعروفاً لدى جهابذة الفكر في مجال العلوم الطبية، وحاول العديد من طلاب العلوم الطبية في العالم العربي والاسلامي من ان يتتلمذوا على يديه.
ومن هنا أنشأ مدرسة متخصصة في العلوم الطبية، فتخرج منها اطباء كبار لهم مكانة عظيمة ليس فقط في العراق، ولكن في جميع انحاء العالم الاسلامي.

ونال ابو جعفر بن ابي الاشعث شهرة عظيمة في علمه وخلقه، لذا طلب منه طلابه ان يؤلف كتابه (الادوية المفردة) الذي قال في مقدمته «فان من ارد قراءة كتابي هذا وكان قد تجاوز حد التعليم الى حد التفقه فهو الذي ينتفع به ويحظى بعلمه، ويقدر ان يستخرج منه ما هو فيه بالقوة مما لم اذكره، وان يفرع على ما ذكرته ويشيد، وهذا قولي لجمهور الناس دون ذوي القرائح الافراد، والتي يمكنها تفهم هذا وما فوقه بقوة النفس الناطقة فيه، فان هؤلاء تسهل عليهم المشقة في العلم، ويقرب لديهم ما يطول على غيرهم».

ويظهر للقارئ من كلام الطبيب ابي جعفر بن ابي الاشعث السابق انه عالم متفنن في التأليف، فعندما قرر ان ينفذ رغبة طلابه المتميزين في كل من العلوم الطبية والعلوم الصيدلانية بان يؤلف كتابه (الادوية المفردة) خطر على باله ان يضعه للمتخصصين في العلوم الطبية والصيدلانية كمرجع لهم، ولطلاب العلوم الطبية الذين تعودوا علي القياس واستخلاص بعض الافكار العلمية المتعلقة بعلم الادوية.
وقد ورد ذكر اسماء مؤلفات اخرى للطبيب ابي جعفر منها:
كتاب الاستسقاء، وكتاب البرص والبهاق وكتاب الجدري والحصبة، وشرح كتاب الحميا لجالينوس، وكتاب السرسام والبرسام ومداواتهما وكتاب الصرع، وكتاب القولنج وأنواعه ومداواته، وكتاب ماليخوليا، ومقالة في النوم واليقظة
كتب الحيوان وكتاب في ظهور الدم، وكتاب في تركيب الأدوية، وغيرها.

عريب القرطبي





تبحث جميع مؤلفات أطباء العرب والمسلمين الأوائل في كل من طب الولادة وأمراض النساء، وطب الأطفال معا، لاعتقادهم ان كل واحد مكمل للآخر، وهكذا استمر الوضع امدا طويلا دون تغيير يذكر، علما ان كلا من الرازي والاهوازي وابن سينا حاولوا ان يفصلوا طب الولادة وأمراض النساء وجراحتها عن طب الأطفال، ولكنهم لم يفلحوا، ولم يتحقق ذلك في العصور الاسلامية من هنا نهج الطبيب العربي «عريب بن سعيد القرطبي» منهج اطباء العرب والمسلمين الأوائل عندما قام بتأليف كتابه القيم «خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين» وهو الذي يعتبر أحسن وأهم مرجع في كل من طب الولادة وأمراض النساء، وطب الأطفال، للباحثين وطلاب العلوم الطبية، لاحتوائه على معلومات أصيلة تدل على سعة اطلاع الطبيب عريب في هذا المجال.
ولقد قام كل من نور الدين عبدالقادر وهنري جابيه بترجمة كتاب خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين من المخطوط المحفوظ بمكتبة الاسكوريال باسبانيا من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية، ونشرت جامعة الجزائر الترجمة الفرنسية مع المخطوط بصيغته القديمة باللغة العربية.
ولد عريب بن سعيد القرطبي في مدينة قرطبة التي كانت عامرة بكبار المفكرين، ليس فقط في مجال العلوم الطبية، ولكن في جميع فروع المعرفة، وذاع صيته كطبيب بين معاصريه، ولذا قربه واحتضنه كل من الخليفة عبدالرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر (360ـ300 هـ).
يقول كمال السامرائي في كتابه مختصر تاريخ الطب العربي:
«عريب بن سعيد من أطباء قرطبة في القرن الرابع الهجري، ويروي انه من اسرة تعرف ببني التركي، كما يذكر انه كان أديبا وشاعرا مطبوعا، واخباريا ثقة بالتواريخ، وذا علم في النحو واللغة العربية، بالاضافة إلى كونه من الاطباء اللامعين والممارسين والماهرين في الصنعة، وكان يعتمد على آراء الاقدمين، ويتابع افكار المعاصرين، ويدخلها في مصنفاته الطبية ولانه خدم في بلاط عبدالرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر فلابد انه عاصر كثيرا من الاطباء الذين عاشوا في قرطبة في تلك الفترة».
ولتألق نجم عريب في العلوم الطبية بين زملائه كلفه الخليفة الحكم المستنصر ان يؤلف كتابا شاملا للمعلومات الضرورية لتدبير الحبالى والاطفال والمولودين، واغذيتهم وحفظ صحتهم، ومداواة الامراض العارضة لهم، فكتب عريب اول كتاب عربي يتناول فيه عملية تطور الجنين، واحوال الولادة، وتدبير الامهات والاطفال والصبيان.
وقد لخص محمود الحاج قاسم محتويات كتاب خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين كالاتي:
يبحث المؤلف في الابواب الخمسة الاولى في علم الاجنة، من ابتداء خلق الانسان الى غاية كماله، وعن كيفية تكوين المني وأسباب العقم، وعن الاعضاء التناسلية للذكر والانثى بأسلوب لطيف، وكلام علمي وافرد الباب السادس للتحدث عن مدة الحمل وحدوده، وعن المولودين بسبعة اشهر، ويتحدث في الابواب التالية عن كيفية العناية بالحوامل، وكيفية الولادة وتسهيل ذلك، وكيفية العناية بالمولود الجديد، وكيفية استحمامه وتدبير النفساء، واستخراج المشيمة. وتكون اللبن.
اما عن العناية بالطفل فقد كتب الطبيب عريب بن سعيد القرطبي في كتابه يقول:
اذا ولد الجنين ارتفع ما كان يتغذى به من دم امه الى الثديين فيبيض فيهما فيصير لبنا بقدرة الله.
يكون اول ما يغذي الطفل عسلاً منزوغ الرغوة، ويلعق منه بالاصبع او يمزج له ويسقى.
تقمط اعضاء الطفل وينوم في بيت معتدل الدفء طيب الريح قليل الشعاع ويكون فراشه في المهد مستوياً.
يجب ان يكون ارضاع الطفل بقدر ما يكفيه وينعش بدونه، ولا يسرف به عليه فيتمدد بطنه ويتقيأ، ويصيبه من ذلك فتور وكسل وطول نوم وتقلب وبكاء.
الصبيان اذا نطقوا وقوي كلامهم وكثرت حركة السنتهم بالنطق سخنت اللوزتان في اصل اللسان، ويصفيان الرطوبة من فضل الدم.
وهكذا كان عريب بن سعيد القرطبي اول طبيب اطفال وامراض نساء وولادة في العالمين العربي والاسلامي.

جراح العرب والمسلمين ابي القاسم الزهراوي

جراح العرب والمسلمين ابي القاسم الزهراوي الذي كان يستخدم الالات المتقدمة جدا في عملياته الجراحية، فهو بحق من رواد الحضارة العربية والاسلامية، حيث له الفضل في انشاء وتطوير علم الجراحة، لذا لا غرابة ان يسمى علم الجراحة بطب الزهراوي.
فجراحو العرب المسلمين يرون لكي يكون الجراح مؤهلا تأهيلا صحيحا يلزمه ان يلم الماما قويا بعلم التشريح، ليعرف تمام المعرفة منافع الاعضاء الداخلية ووظائفها ومزاجها وعلاجها واسباب مرضها، وبهذا يستطيع الجراح ان يفرق بين الامراض المتشابهة، فمثلا لا يخلط بين مرض القولون ووجع الكلى، وان يكون على بينة من كل من فحص النبض والحرارة والبول والبراز والنفث والبصاق وغيرها من الفحوصات المتبعة في العصور الحديثة.
وينقل كمال السامرائي في كتابه مختصر تاريخ الطب العربي المقالة الثلاثين من كتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي في الجراحة العامة وتتكون من ثلاثة ابواب رئيسية:
- الباب الأول: في الكي بالنار، والكي بالدواء الحاد، وطرق تطبيقها باختلاف المواضع من الجراحة العامة، ويتكون من ثلاثة ابواب ورتبت باختلاف المواضع من الجسم، مع ذكر الامراض التي يعالج منها.
- الباب الثاني: في الشق والبط والفصد، وفي الخراجات ونحوها، ويدخل في ذلك عمليات الاسنان، واورام الفم والحلق، وجلدة الرأس والثدي واستخراج الحصى من المثانة، وعلاج الخنثاء واستئصال الخنازير، واصلاح الرتقة وعمليات الامعاء والدوالي وغير ذلك.
- الباب الثالث: في عمليات الجبر والخلع.
ولكن من هو الزهراوي؟ هو خلف بن عباس الزهراوي، يكنى بأبي القاسم، ويلقب بالقرطبي وبالانصاري وبجراح العرب. لقد اجمع النسابة على ان اصله من المدينة المنورة، ولذا لقب بالانصاري.
ولد الزهراوي في مدينة الزهراء التي أنشأها الخليفة عبدالرحمن الثالث «الناصر» وجعلها مقرا لحكومته، تقع مدينة الزهراء على بعد 6 اميال في الشمال الغربي من مدينة قرطبة الشهيرة، تلقى تعليمه على يد اساتذة الفكر في قرطبة التي كان فيها اكثر من 50 مستشفى ومكتبة عامة تحتوي على اكثر من مائتي الف مجلد. وقد انشئ فيها جامعة عالمية في القرن الرابع الهجري. عمل ابو القاسم الزهراوي في بلاط كل من الخليفة الناصر والمستنصر كطبيبهما الخاص، والحق ان ابا القاسم الزهراوي لم يكن طبيبا ماهرا فحسب، بل كان مثقفا ذا خبرة واسعة بالادوية المفردة والمركبة، لذا جمع بين الطب والصيدلة والثابت انه مارس فن التشريح لاهميته في تطوير الجراحة، ويروي انه اخترع اكثر من مائتي آلة ومبضع من آلات الجراحة الطبية، وقد اختار تصميمها بنفسه، وقد لمعت مكانة الزهراوي في اوروبا اللاتينية اكثر مما كان لها بين اهل بلده ومعاصريه، من ذوي المهنة. ولم يترجم له المؤرخون العرب الا بقدر ما ترجموا لغيره من الاطباء المغمورين.
كان ابو القاسم الزهراوي دقيقاً في عمله، اذا كان يعقم تماما الاته التي يستخدمها في عملياته الجراحية بمادة الصفراء، للتأكد من تطهيرها قبل اجراء العملية، وقد اثبت الطب الحديث ان مادة الصفراء تقلل من تواجد البكتريا ودرس ابو القاسم الزهراوي الطب الجاهلي عن كثب، لذا اخذ عنه بعض العلاجات والعمليات المعروفة، مثل الكي كوسيلة لعالج الام الخلوع والكسور، وتسكين بعض الالام الباطنية الناتجة عن تورم الكبد، وكذلك لايقاف النزيف، وكانت الجراحة تحتل مكانة مقبولة الى حد ما في العالمين العربي والاسلامي.
ونبه الى ذلك كامبل في كتابه الطب العربي قائلا: كانت الجراحة في الاندلس تتمتع بسمعة اعظم من سمعتها في باريس او لندن او ادنبره، ذلك ان ممارسي مهنة الجراحة في سرقسطة كانوا يمنحون لقب طبيب جراح، اما في اوروبا فكان لقبهم «حلاق جراح» وظل التقليد سارياً حتى القرن العاشر الهجري».
ولعل هذا الذي دعا الزهراوي ان يقول في كتابه التصريف لمن عجز عن التأليف، «لما اكلمت لكم يا بني هذا الكتاب، الذي هو جزء العلم في الطب بكماله، وبلغت الغاية فيه من وضوحه وبيانه، رأيت ان اكمله لكم بهذه المقالة التي هي جزء العمل باليد، لان العمل باليد مخسة في بلدنا، وفي زماننا معدوم البتة، حتى كاد يندرس علمه وينقطع اثره، والسبب الذي لا يوجد صانع محسن في زماننا هذا ، لان صناعة الطب طويلة، وينبغي لصاحبها ان يرتاض قبل ذلك في علم التشريح، الذي وصفه جالينوس، حتى يقف على منافع الاعضاء وهيئتها وامزجتها، واتصالها وانفصالها، ومعرفة العظام والاعصاب، والعضلات، وعددها ومخارجها، والعروق والنوابض والسواكن، ومواضع مخارجها، ولذلك قال ابقراط: ان اطباء باسماء كثيرة وبافعال قليلة، لا سيما صناعة اليد(الجراحة) وقد ذكرنا عن ذلك طرقا في المدخل من هذا الكتاب لانه من لم يكن عالماً بما ذكرنا من التشريح لم يخل ان يقع في خطأ يقتل الناس به».
من الامراض التي شغلت ابا القاسم الزهراوي ومعاصريه، مرض السرطان وعلاجه، فقد اعطى لهذا المرض الخبيث وصفاً علاجياً بقي يستعمل خلال العصور حتى الساعة، فلم يزد اطباء القرن العشرين كثيراً على مقدمة علامة الجراحة الزهراوي الذي يقول في كتابه التصريف: «ذكر الاوائل انه متى كان السرطان في موضع لا يمكن استئصاله كله، ولا سيما متى قدم وعظم فلا ينبغي ان تقربه، فاني لا استطيع ان ابرئ منه احداً، ولا رأيت الغير قدر كذلك، أما اذا كان مركزه حيث يمكن اخراجه، كالذي في الثدي او في الفخذ ونحوهما من الأعضاء. ولا سيما اذا كان مبتدياً صغيرا، فالعمل فيه ان نسهل العليل مراب من السواد، ثم نفصده، ان كان في العروق امتلأ من دم، ثم ننصب المريض نصبة نتمكن فيها من العمل، ثم نلقي في السرطان السنانير التي تصلح له، ثم نقوده من كل جهة مع الجلد على الاستقصاء، حتى لا يبقى منه شيء من أصوله، واترك الدم الغليظ يسيل كله بيدك او بما أمكنك من الآلات، فان عرض في عملك نزف دم عظيم من قطع شريان او وريد، فاكو العرق حتى يقطع، ثم عالجه بسائر العقاقير والعلاج والله سبحانه الشافي».
ومن أعماله المشهورة وانجازاته الطبية الضخمة في مجال الجراحة فالزهراوي:
- اول من أجرى عمليات صعبة مثل شق القصبة الهوائية واستئصال اللوز، وللأسف فان امبرواز باري نسبها لنفسه.
- اول من استعمل ربط الشريان لمنع النزيف بخيط الحرير، وليس كما يدعي اطباء الغرب ان امبرواز باري هو أول من قام بهذه العملية سمة 959 هـ.
- اخترع الزهراوي آلة تستخدم في عملية الناسور الدمعي.
- أول من استأصل سرطان الثدي بكل نجاح.
- أول من استخدام العلاج بالكي لايقاف النزيف، وفتح الخراجات واستئصال الأورام السرطانية.
- أول من اكتشف مرض الناعور (هيموفيليا) الذي يعتبر نزيف دم، وهو مرض وراثي خطير.
- أول من عمل احصائية دقيقة بجميع أمراض النزيف الدموي.
- أول من وصف طريقة خياطة الجروح خياطة داخلية لا تترك اثراً مرئيا فيها باستخدام امعاء القطط.
- أول من تحدث عن كيفية الخياطة بابرتين وخيط واحد مثبت بهما.
- اول من اخترع عملية شق الحنجرة للتنفس في حال اختناق المريض.
- أول من قام بعملية شق المريء للتغذية الصناعية.
- أول من عالج تشوهات الفم وسقف الحلق.
- أول من أشار الى الحمل خارج الرحم
¼ أول من أثبت أن سلس البول بسبب النواسير المهبلية المثانية.
- أول من شق جيب المياه أثناء المخاض لتعجيل الولادة.
- أول من وصف وقام بجراحة التجميل.
- أول من اكتشف منظاراً خاصا للمهبل.
- أول من اكتشف آلة لتوسيع باب الرحم.
- نجح في استئصال العينية «البوليب» أو «الأورام الليفية» في الأغشية المخاطية.
- أول من ترك فتحة في رباط الجبس في الكسور المفتوحة.
- أول من وصف ضربات القلب الضائعة.
- استخرج اللحميات من الأنف باستخدام حجر جهنم «نترات الفضة».
- أول من طبق الوضع الأمثل لتيسير الولادة «وهو استلقاء المرأة على ظهرها وفخذاها على حافة الكرسي والرجلان متدليان».
- نصح بالقطع عند حدوث الغرغرينا.
- أول من استعمل قوالب خاصة لصنع الأقراص الدوائية.
- أول من استعمل الفحم في ترويق شراب العسل البسيط.

علي بن عيسى البغدادي الكحال




قام أطباء العرب والمسلمين ومن بينهم علي بن عيسى البغدادي الكحال بانجازات قيمة لتطوير طب العيون. والمعروف ان طب العيون قد انفصل عن الطب منذ عهد القدماء المصريين، حيث صار اختصاصا مستقلا، ويعتبر طبيب العيون من الأطباء ين في المجتمع العربي والإسلامي، لذا بقيت هذه المهنة مقدسة لدى الجماهير عبر العصور، لقد وصف أطباء العرب والمسلمين المتخصصون في هذا الميدان، وعلى رأسهم علي بن عيسى الكحال كثيرا من أمراض العيون، وعرفوا بجدارة العديد من الأعشاب لعلاج العيون، كما استخدموا أدوية من أصل معدني او حيواني، وألموا إلماما تاما ببعض العمليات الجراحية المتعلقة بعلاج العين. وقد فرضت الدولة العربية والإسلامية في العصور الوسطى عقوبة شديدة جداً على الطبيب الذي يعالج مرضاً في العين لا يفهم كيف يعالجه فيؤدي عمله الى فقدان البصر، ولكنها في الحقيقة تشكل ردعاً قوياً ضد الدجالين والمشعوذين والمخربين.

أما علي بن عيسى البغدادي الكحال، فقد ولد في القرن الرابع الهجري، ويلقب بشريف الدين، توفي سنة 400 هـ في بغداد والمؤسف ان الغربيين يخلطون بينه وبين عيسى بن علي الكحال النصراني ولذا كانوا يسمونه «يسوع هالي»
اهتم شريف الدين علي بن عيسى الكحال بدراسة طب العيون منذ نعومة أظفاره فنبغ وتبحر فيه، ولذا صار له صولة وجولة في هذا المجال الحيوي، كما كان مقدرة عجيبة على التعليق والرد على ما كتبه اليونانيون ومن عاصره من أطباء العرب والمسلمين، فهو الطبيب الحاذق في صناعة الكحل مشهور فيها، وبكلامه يقتدى في أمراض العين ومداواتها. ذاع صيته بين معاصريه نتيجة تأليفه كتابه العظيم الذي عنوانه «تذكرة الكحالين» الذي يدور حول طب العيون.

ويذكر جمال الدين القفطي في كتابه «تاريخ الحكماء» أن كتاب تذكرة الكحالين لعلي بن عيسى البغدادي الكحال كان من المصادر المهمة في طب العيون، لذا بقي امراً طويلا جداً كتابا معتمداً في يد أطباء العيون ويعتبر كتاب تذكرة «الكحالين» أحسن وأكمل كتاب ألّف في طب العيون حتى القرن الثالث عشر الهجري، فعلي بن عيسى الكحال أول من قال: «ان الروح الباصر يخرج من العين ليقيس المنظورات ثم يعود الى العين ويدخلها ليطبع صورها على الدماغ» لهذا كان لعلي بن عيسي الكحال السبق في ابتكار هذه النظرية على علماء اليونان وعلماء العرب والمسلمين الأوائل، ولاشك أن هذه النظرية خطوة الى الأمام، ثم جاء علامة البصريات الحسن بن الهيثم وأثبت حقيقة فسيولوجية الرؤية بقوله «إنها بوقوع صور المرئيات على الجهاز البصري في العين، اي ليس هناك روح باصر يشارك في عملية الابصار كما كان يعتقد علي بن عيسى الكحال».

وقد لخص كمال السامرائي في كتابخ مختصر تاريخ الطب العربي محتويات كتاب تذكرة الكحالين لعلي بن عيسى الكحال كالآتي:
ـ المقالة الأولى: في تشريح طبقات العين وهي الشبكية والمشيمة والصلبة والعنكبوتية والقرنية وفي الاعصاب والعضلات والاربطة والرطوبات التي فيها وكيفية حدوث البصر بها.
ـ المقالة الثانية: وفيها يبحث المؤلف في امراض الجفن كالجرب والتحجر والالتصاق والشترة والشعيرة والشعر الزائد والحكة، وفي استخراء الجفن وانقلابها والدمل الذي يتكون عليها والشرناق والتوتة والنمل والشرى والسعفة والثاليل.
ـ وفي المقالة الثالثة: وتبحث في الامراض الخفية عن الحس واسبابها وعلاجها وامراض الروح الباصر ومن يرى من بعيد ولا يرى من قريب، ويبحث كذلك في العشا والشبكور «من يبصر نهارا ولا يبصر ليلا» وامراض الطبقة الشبكية وعلاج الكتاراكت بالقدح.
ويعلق نشأت الحمارنة في كتاب تاريخ اطباء العيون العرب على كتاب تذكرة الكحالين لعلي بن عيسى الكحال فيقول: «وقد سار علي بن عيسى الكحال على منهج علمي صارم، مهتديا بالتقسيم التشريحي للعين، فيبدأ بأمراض الاجفان ثم بأمراض جهاز الدمع، ثم بأمراض الملتحمة، ثم ينتقل الى امراض القرنية، فامراض القزحية، وهكذا بينما كان المؤلفون قبل عصره يتحدثون عن امراض العين جملة واحدة دون تصنيفها حسب الاعضاء.
ولاشك ان انتاج علي بن عيسى الكحال قليل اذا ما قورن بكبار المفكرين في الحضارة العربية والاسلامية، قلة من المؤلفات بجانب تذكرة الكحالين كل من: كتاب المنافع التي تستفاد من اعضاء الحيوان وكتاب الكافي، ولحسن الحظ ان كل مؤلفاته موجودة في مكتبات العالم.
وقد جمع علي بن عيسى الكحال في كتابه تذكرة الكحالين ما كتب في طب العيون، فعندما ضاعت كتب اليونان كان كتاب «تذكرة الكحالين» حافظا لها. وقد بذل علي بن عيسى الكحال جهدا عظيما في تطوير بعض الافكار العلمية الخاصة بمرض العيون وعلاجها، والتي ورثها عن كل من هيروفلس وسوارنس وجالينوس وابقراط وديوسقويدس وحنين بن اسحاق وغيرهم، ولم يكتف بهذا القدر، بل اشتمل كتاب تذكرة الكالحين على معارف مبتكرة من خبرة المؤلف الطويلة وبحوثه الاصيلة في هذا المجال، لذا لا عجب اذا اعتبره المؤرخون للعلوم الطبية اكبر طبيب للعيون ظهر في القرون الوسطى.
وقد اصبح كتاب تذكرة الكحالين متداولا ليس فقط في العالمين العربي والاسلامي، ولكن في ارجاء المعمورة، وذلك نتيجة انه ترجم لكل من اللغة اللاتينية واللغة الفارسية واللغة العبرية، وهو من اهم المصادر العلمية التي يعول عليها طلاب طب العيون في الجامعات العربية حتى يومنا هذا.

اكتمل بحمد الله..

واتمنى انه نال اعجابكم..


تحياتي لكم

ado